حفتر وحميدتي- غزو المثلث الحدودي السوداني، تهديد للأمن الإقليمي

تتصاعد حدة الغضب الرسمي والشعبي في السودان؛ نتيجة لاختراق ميليشيا الدعم السريع، مدعومة بقوات الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، للمثلث الحدودي الرابط بين السودان ومصر وليبيا.
فتح جبهة جديدة
هذا العمل العدواني المفاجئ أجبر الجيش السوداني على الانسحاب من منطقة المثلث، في خطوة وصفها بـ "ترتيبات دفاعية لصد العدوان"، ما يمثل فعليًا استيلاء قوات التمرد على هذه المنطقة الاستراتيجية، وفتح جبهة قتال جديدة باتجاه الولاية الشمالية، وكذلك تهديدًا لمصر من الناحية الجنوبية الغربية.
تهدف هذه العملية العسكرية بصورة مباشرة إلى احتلال منطقة العوينات، والسيطرة على بعض النقاط الحدودية التي تشرف على حركة التجارة وتدفق الأسلحة، إضافة إلى بسط النفوذ على منطقة تزخر بالموارد المعدنية والمياه الجوفية، فضلًا عن كون المثلث الحدودي نقطة وصل مهمة للانفتاح على ثلاث دول في آن واحد.
لأول مرة، يوجه الجيش السوداني اتهامًا صريحًا لقوات حفتر بانتهاك السيادة السودانية، واستخدام ما يسمى بـ "الكتيبة السلفية"، أو كتيبة سبل السلام، التي يشرف عليها صدام حفتر، نجل الجنرال الليبي المتقاعد، وتضطلع هذه الكتيبة بتزويد قوات حميدتي بالأسلحة والوقود، وتهريب المرتزقة الأجانب إلى السودان، فضلاً عن تورطها في الاتجار بالبشر.
انتقاء الأهداف العسكرية
لم تكتفِ قوات شرق ليبيا بنفي أي صلة لها بهذا الهجوم، بل ألقت باللوم على الجيش السوداني، متهمة إياه بـ "الاعتداء المتكرر على الحدود الليبية"، مؤكدة احتفاظها بحق الرد، ما ينبئ عن نيتها الانخراط في الحرب إلى جانب قوات التمرد.
كما تهرب جيش حفتر من تقديم تفسير منطقي لوصول قوات حميدتي إلى ذلك المثلث الحدودي، الذي يقع عمليًا ضمن نطاق نفوذ قوات حفتر من الجانب الليبي!
إضافة إلى ذلك، يبقى السؤال المطروح: من أين حصل حميدتي على الأسلحة الثقيلة والوقود وسيارات الدفع الرباعي التي استخدمها في الهجوم؟ فضلًا عن مشاركة عناصر ليبية ظهرت في مقاطع فيديو إلى جانب جنود الدعم السريع، ما يؤكد على حقيقة أن التحالف بين حفتر وحميدتي بلغ مرحلة متقدمة من التنسيق وتوحيد العمليات الهجومية، وانتقاء الأهداف العسكرية، وأن كلاهما يعمل بإيعاز من دولة نافذة تسعى لزعزعة استقرار المنطقة وإعادة احتلالها.
بندقية مُستأجرة
يبقى سؤال ملحًّا يفرض نفسه: لصالح من يعمل حفتر إن لم يكن لصالح إسرائيل؟
فهذه العملية التوسعية لا تستهدف السودان فحسب، بل تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، خاصة وأن قيادة الدعم السريع تعادي القاهرة علنًا منذ اندلاع الحرب في السودان، بل وصلت بها الحال إلى اختطاف مجموعة من الجنود المصريين، كانوا يشاركون في مناورة عسكرية مع الجيش السوداني في مطار مروي شمال الخرطوم، في الأيام الأولى لتمرد حميدتي.
وبناءً عليه، ليس من المستبعد أن يكون الدعم السريع، وبدعم خفي من إسرائيل، متورطًا في مؤامرة تهدف إلى خلق بؤر أمنية متوترة على الحدود وزعزعة الاستقرار الإقليمي.
وبكل المقاييس، هذه الحرب ليست حرب آل دقلو، فهم مجرد أداة يتم تحريكها من قبل قوى خارجية، يقف خلفها مخطط ماهر يسعى إلى إشعال المنطقة برمتها، والتسلل من وراء دخان الحرب، لتحقيق أهداف استعمارية، وإنشاء حزام عسكري منظم في تلك المنطقة الصحراوية، للانطلاق منه لغزو المزيد من الدول.
عملية شد الأطراف
الأمر الأكثر أهمية هو الانتقال إلى عملية إضعاف الأطراف السودانية بعد فشل محاولات ضرب العمق، وقد تهدف هذه العملية أيضًا إلى تشتيت جهود الجيش السوداني وعرقلة تقدم القوات المتجهة نحو دارفور، خاصة بعد أن أصبحت مدينة نيالا، التي تسعى الدعم السريع لجعلها عاصمة لحكومتها المزعومة، منطقة غير آمنة، وتسببت غارات سلاح الجو السوداني في إخراجها من دائرة المناورة السياسية والعسكرية.
وعلاوة على ذلك، بدأ النظام التشادي في التقارب مع الحكومة السودانية مؤخرًا، كما أرسلت دولة أفريقيا الوسطى قبل أيام قليلة مدير مخابراتها إلى بورتسودان لفتح صفحة جديدة، وقامت إثيوبيا بالخطوة نفسها، في حين باءت بالفشل محاولات إقحام جيش جنوب السودان في هذا الصراع المعقد.
على الرغم من أن قيادة ما يسمى بالجيش الوطني بقيادة حفتر لم تعلن عن نية صريحة لغزو السودان، إلا أنها، وفقًا لتصرفاتها السابقة ومحاولاتها الداخلية لفرض معادلة عسكرية مختلة وعلاقاتها الخارجية المشبوهة، لا تبدو أنها تمتلك قرارها السيادي.
ومما لا شك فيه أن خليفة حفتر قد أُجبر على خوض هذه الجولة من سيناريوهات تفكيك الدولة السودانية، إلى جانب طموحه الشخصي في استغلال الفراغ الأمني وتعزيز نفوذه الإقليمي، ولذلك تجاهل الاتفاق السابق الذي كان ينص على وجود قوة مشتركة بين السودان ومصر وليبيا لتأمين المثلث الحدودي، فخان الجميع، وضرب بذلك الاتفاق عرض الحائط، في تحدٍ سافر للحكومة الشرعية في طرابلس، التي أدانت هذا العمل العدواني.
صورة محطمة للدكتاتور
لا ريب أن حفتر الأب متورط بشكل أساسي في تأجيج الصراع السوداني، فمنذ انقلابه الفاشل في إخضاع الأراضي الليبية بالقوة، لجأ إلى الاستعانة بالحركات المسلحة السودانية المتمردة على الدولة، وخاصة بعض حركات دارفور التي ساعدته في السيطرة على الهلال النفطي.
غير أنه مع ذلك فشل في أن يصنع لنفسه صورة مماثلة للقذافي، الذي يحاول تقليده دون جدوى، وكان قبل ذلك أحد أسرى الحرب مع تشاد، وهو اليوم ورث الجيش القديم -بعد مقتل الدكتاتور الليبي- إلا أنه حطم به ما تبقى من صورة الدولة نفسها، وبمثل ما أنه أحد أعداء الثورة الليبية، ومتآمر على دول الجوار، فهو في أغلب الأحيان أداة في يد قوى خارجية.
فصول جديدة من التآمر
الصراع في هذه المنطقة، بقدر ما يفتح جبهة استنزاف جديدة للجيش السوداني، يشكل تهديدًا للأمن القومي المصري، ويدفع ليبيا إلى حروب خارجية، مما يزيد من تعقيد الأزمات الأمنية الداخلية، ما يستدعي تعزيز التنسيق الأمني والعسكري بين الدول الثلاث، للحد من المخاطر المشتركة.
وما يجب أن يقلق السودانيين على وجه الخصوص، هو تنامي الأطماع في ثرواتهم، وخيبة الأمل في بعض دول الجوار، الأمر الذي يستوجب تماسك الجبهة الداخلية، وتنحية الخلافات السياسية جانبًا، واستعادة الجيش للمثلث الحدودي بأسرع وقت ممكن، وطرد قوات حفتر وحميدتي منه، والاستعداد لمواجهة حرب طويلة الأمد وفصول متنوعة من العدوان والتآمر الخارجي.